الذكري الثانية لرحيل القديس الزاهد

في جريدة القاهرة العدد 1142 بتاريخ 2022/6/6

كتاب وصحفيون ونقابيون وأصدقاء يكتبون لجريدة القاهرة في عددها 1142 الصادر في 2022/6/6 عن رجائي الميرغني في ذكراه الثانية *الذكري الثانية لرحيل القديس الزاهد ” الصفحة الأولي” *رجائي الميرغني ضمير الصحافة المصرية “الصفحة العاشرة” القاهرة تخصص صفحة كاملة لذكري الرحيل ويكتب لها: يحيي قلاش مدحت الزاهد عبير سعدي سعيد شعيب إلهامي الميرغني خيرية شعلان ورشا حسني ويتحدثون عن الميرغني: مناضلا سياسيا صحفيا نقابيا مبدعا

رشا حسني Rasha Hosny في الذكرى الثانية لرحيله: “رجائي الميرغني .. ضمير الصحافة المصرية” قبل أيام مرت الذكرى الثانية لرحيل الكاتب الصحفي والنقابي البارز رجائي الميرغني الذي خلف غيابه عن المشهد فراغا كبيرا رغم حضور سيرته المهنية والإنسانية واستلهام أسلوبه وحكمته في مواجهة مواقف وأزمات تمر بها الصحافة من آن لآخر. ينتمى رجائي الميرغني (1948-2020) لأسرة وطنية لها دور بارز فى تاريخ مصر فقد كان والده أحد قادة ثورة 1919 بمحافظة المنيا، واختير عضوا فى اللجنة الوطنية ، وخاض انتخابات مجلس النواب وتصدر الدعوة إلي الأفكار الاشتراكية ضد الفقر والجهل والمرض بالمحافظة ، وكان شديد الإيمان بالوحدة الوطنية . ووسط هذه الأجواء نشأ “رجائي” وتخرج من قسم الصحافة بجامعة القاهرة عام 1970 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، أسهم فى الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجرها فى فبراير 1968 عمل محررا بوكالة أنباء الشرق الأوسط منذ عام 1970، وأصبح نائبا لرئيس التحرير في 2007 والمسئول عن شبكة المراسلين للوكالة داخل مصر وخارجها حتى 2013. ولم يقتصر دوره الوطني على الممارسة السياسية والنقابية فحسب فقد كان أيضا من أبطال حرب أكتوبر 1973 وأصيب في معركة “المزرعة الصينية ” ثم عاد بعد شفائه لجبهة القتال. عبر سنوات من العمل المهني والنقابي والوطني تعددت مجالات العطاء ومن بينها الإبداع بمختلف روافده لذا اختارت الأسرة أن تحيي ذكراه بإخراج تلك الإبداعات المتنوعة مابين الشعر والتشكيل للنور وبدأ العمل على طباعة ديوان يضم رباعياته والتحضير لمعرض فني يتضمن أهم لوحاته إضافة لمراجعة كتابا كان قد أتمه عن حرب أكتوبر في هذا الملف تحدثنا زوجته الكاتبة الكبيرة خيرية شعلان عن الجانب الإبداعي الذي توارى طويلا خلف نشاطه النقابي أما زملاء المهنة وتلاميذه في الحقل الصحفي فقد اختار كل منهم أن يكتب عن ملمح مهم في شخصيته كنموذج ملهم مهنيا وإنسانيا؛ اختار الكاتب ونقيب الصحفيين سابقا يحيى قلاش أن يكتب عن معركة القانون 93، وتحدث الكاتب الصحفي مدحت الزاهد عنه كرمز للحكمة والنزاهة، وكتب الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني “القديس الزاهد” أما السؤال الجوهري: لماذا كان نقابيا عظيما؟ فأجاب عنه الكاتب الصحفي سعيد شعيب، فيما وصفته وكيل النقابة الصحفيين سابقا عبير سعدي ب” أستاذي ومعلمي

يحيي قلاش Yehia Kalash “رجائي الميرغني ذكري الرحيل والمقاومة” [ لايمكن أن يمر شهر يونيو من كل عام دون أن نتذكر إحدي المعارك الكبرى في تاريخ نقابة الصحفيين دفاعًا عن حرية الصحافة. فبعد أن صدر بليل القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ في ٢٧ مايو ٩٥ ،دعا مجلس النقابة لاجتماع طارئ لأعضاء الجمعية العمومية في العاشر من يونيو ،احتجاجًا علي التعديلات التي ادخلها القانون ،ومثلت عدوانًا علي حرية الصحافة وغلظت العقوبات ،ونعته الصحفيون والرأي العام ب “قانون حماية الفساد”! المفارقة أننا في ٣ يونيو قبل عامين فقدنا نقابي كبير لعب دورًا مهمًا في إدارة هذه الأزمة هو زميلي وصديقي وأخي العزيز رجائي الميرغني الذي تزاملنا معًا في عضوية مجلس النقابة لأكثر من دورة. كان أداء مجلس النقابة استثنائيًا في إدارة هذه الأزمة بكل المقاييس واستطاع أن يأخذ زمام المبادرة في قيادتها وجعل دعوته لحضور الجمعية العمومية قوةً مضافة له لادراكه المبكر ومن اللحظة الأولي انه لن يستطيع أن يتجاوزها دون ظهير . تعامل المجلس بصفته مؤسسة لا تتوقف علي فرد فكل يؤدي دوره، وعندما غاب ابراهيم نافع “النقيب” لسفر مؤقت ،تقدم جلال عيسى “الوكيل” ليتحمل المسؤولية بشجاعة في مواجهة تصميم الرئيس مبارك علي تمرير القانون، وعندما تخلف جلال عيسى عن حضور أجتماع المجلس لظرف طارئ ،كان محمد عبدالقدوس “وكيل ثان”علي رأس إجتماع المجلس الذي دعا الجمعية العمومية لاجتماع طارئ وكان مجدي مهني بوصلة للاتجاه الصحيح في هذه المواجهة ،ودفعت أمينة شفيق متعها الله بالصحة بخبرتها بضرورة استدعاء الجمعية العمومية . أما رجائي الميرغني الذي تحل الذكرى الثانية لرحيله هذه الأيام فكان في هذه المعركه بحق رجل المهام الصعبة والعقلية المنظمة الدؤوبة علي مدي عام يصيغ القرارات ويكتب كلمة النقيب التي تعبر عن موقف مؤسسة المجلس قبل ان يلقيها في جلسات الجمعية العمومية وضابط الإيقاع لمجلس يتشكل من كل الاتجاهات والأعمار والخبرات و تتنازعه احيانا مصالح شتى تحت وقع ضغوط هائلة .بل وكان يقوم بالمساهمة بالوعي القانوني عندما تختلط الأمور بسوء أو بحسن نية!. رجائي الحاضر بيننا بعد عامين من الغياب، وكما عرفته وقلت ذلك من قبل، واكررها، لم يكن يحركه إلا منطق وقناعات، ولم يكن من أهل المواءمات التي تتسلل كثيرًا إلى العمل النقابي فتدخل من الشباك كي تخرج المبادئ والمواقف من الباب.كان نقابيًا أصيلًا وحقيقيًا مهما اختلفت معه، وليس “نقابنجي”، كما أطلق على الذين يمتطون العمل النقابي لأغراض وأهداف أو طموحات خاصة. مشوار طويل منذ تعارفنا، تآلفت فيه الأرواح والمواقف والمعارك والهموم، كانت العلاقات المباشرة شبه اليومية هي وسيلة التواصل، ولم يكن جيلنا يعرف بعد هذا العالم الافتراضي، الذي يسود الآن، حيث تبددت الطاقة بالتنفيس وتراجع كثير من الفعل. دورة حياتنا لم تكن تكتمل إلا بالالتقاء يوميًا في النقابة بعد انتهاء العمل. قضايا المهنة وعلاقات العمل والحريات والأمور العامة وحدة واحدة نلتف حولها، وعليها يدور الحوار ويتم الحساب مع أي مجلس إدارة منتخب للنقابة، ومنها يتم الفرز لبعض قيادات نقابية طبيعية، تتقدم الصفوف وتتحمل المسؤولية. في هذه الأجواء عرفت رجائي الإنسان الخلوق، البشوش، المثقف، المتواضع وبدأنا معًا مشوارًا نقابيًا طويلًا قدر لنا أن تكون بدايته ساخنة، عندما داهمنا القانون ٩٣ بعد عدة أسابيع لوضع مزيد من القيود على حرية الصحافة والصحفيين، واستمرت مواجهته نحو عام بجمعية عمومية مفتوحة. وهنا يتجلى دور عدد من أعضاء المجلس يتقدمهم رجائي الذي اذكر له عشرات المواقف والأدوار، وعندما نعود لأدبيات هذه المعركة أقول، باختصار ودون إهمال لأدوار كثيرين من داخل المجلس أو خارجه، أو لقيمة وأهمية العمل الجماعي والمؤسسي، التي حكمت إدارة هذه الأزمة، إن بصماته كانت واضحة وستظل . وأذكر له في هذه المعركة موقفًا مهمًا ، فقد كان إيقاع الأزمة سريعًا والدولة على مدى شهور تبدي في الظاهر نية الحل، وعلى أرض الواقع تتلاعب وتلتف وتتحايل، واختمرت في ذهني بالتشاور مع الزميل الراحل مجدي مهنا، وكان شخصية نقابية ديناميكية ومخلصة، أن يعلن مجلس النقابة استقالته بما يعني ترك أمر المواجهة مباشرةً للجمعية العمومية، وأنضم إلينا رجائي وفعلًا كان اقتناعه هو المدخل الذي سهّل موافقة المجلس بالإجماع وإعلان قرار الاستقالة، الذي انضم إليه بعد ذلك النقيب إبراهيم نافع بعد عدة أيام أمام اجتماع للجمعية العمومية، وأحدث هذا الأمر تحولًا في إدارة المعركة، وأوقف مناورات التلاعب، وتقرر أن نلتقي رئيس الجمهورية للمرة الثانية، وانتهت الأزمة بانتصار إرادة الصحفيين. ظلت النقابة بالنسبة لرجائي- في كل الأوقات- شأنه شأن النقابيين الكبار ، هم واهتمام وحياة، يلبيها عندما تدعوه، ويأتي إليها عندما يشتاق، ويهرع إليها إذا تعرضت للأذى من غير دعوة، ويسعد بالجلوس فيها مع الشباب ناثرًا خبراته ونصائحه بحب واحتواء. وظلت يده ممدودة دائمًا بالمشورة والخبرة وأداء أي دور إذا كان خالصًا لوجه النقابة والمهنة ومصالح الزملاء. سلام عليك يا رجائي في ذكري رحيلك وعوض الله النقابة والمهنة والوطن عنك خيرًا من شباب كثر زرعت فيهم الوعي والمحبة و الاستقامة.

مدحت الزاهد “رمزالحكمةوالنزاهة” إقترنت نقابة الصحفيين على مر تاريخها برموز صحفية ونقابية كبيرة دافعت عن شرف الكلمة وإستقلال النقابة، ومن أبرز هذه الأسماء رجائي الميرغني، الذى جسد شموخ النقابة وجمع بين شجاعة الشباب وحكمة الشيوخ وكان دوما فى صدارة معارك إستقلال النقابة والدفاع عن الحريات وكانت أبرزها المواجهة الشهيرة ضد ما سُمي “معركة قانون حماية الفساد” في يونيو 1995 والتي إستمرت عاما كاملا وتلتها مشاركته فى إشتباكات ومعارك لاحقة دفاعا عن كرامة المهنة. ولم يكن الميرغني صوتا حرا شجاعا حكيما فحسب ، بل أثبت جدارة ونزاهة فى كل موقع شغله كوكيل أول للنقابة ورئيسا للجنة القيد بها ومشرفا فى بعض الفترات على نشاطها الثقافى وعلاقتها العربية والدولية ودفاعا عن الحريات داخل النقابة وخارجها ومن خلال المؤسسات الصحفية العربية والدولية. .. والميرغنى من النماذج النادرة التى أدركت أن محنة الصحافة فى مصر تتلخص فى نقطة واحدة هي: هل يكون الصحفى خادما للسلطان أو ضميرا للشعب؟ هل تكون الصحافة مرآة يرى فيها الحكام أنفسهم فى أبهى صورة أو يرى فيها الشعب معاناته وهمومه وٱماله؟ هل تكون الصحافة سلاحا لتغيير ديمقراطى يفتح باب الأمل والخيال أو سما في وجبة فاسدة؟ كما ٱمن أن الضحية الأولى لكل عدوان على حرية الصحافة هى المواطن والحرية والشعب. لقد قنع رجائي الميرغني أن الصحافة الحرة نافذة أمل للتغيير الديمقراطى ومركز جذب لطاقات سخط يمكن أن تضل الطريق للفوضى المدمرة بدلا من مسارات التغيير السلمى الديمقراطى والضحية لن تكون صحافة مصر وحدها بل سلامة المجتمع وأمنه. وكثيرا ماكان الميرغني يشّبه صحافة مصر ب”سيزيف” بطل الأسطورة الإغريقية الذى حكمت عليه الٱلهة بأن يحمل الصخرة الى قمة الجبل وما أن يشارف على النهاية حتى تلقى بها إلى السفح من جديد، وأنه ليس على الصحفى الحر غير معاودة المحاولة وتكرارها بلا كلل أو ضجر. هذه الكلمات ليست مجرد تكريم للميرغنى في ذكراه الثانية بل رسالة لأجيال من الصحفيين انحازوا دفاعا عن الوطن والحرية وكل الشعب.

الهامي الميرغني Elhamy Elmerghany “القديس الزاهد” عمي العزيز رجائي الميرغني يمكن ان نصفه بحق بالقديس الزاهد. وقد شاء القدر ان نتقارب في مختلف مراحل الحياة. كان أهم ما يميزه عن الكثيرين القدرة علي الإنصات والتركيز وبذل كل الجهد لفهم مقاصد المتحدث. ويندر أن تجد شخصا لديه الصبر وطول البال والقدرة علي الإنصات مثله. عندما كان يشارك في جلسة عائلية او عامة كان يستمع للجميع، الصغير قبل الكبير ولكنه يتعفف عن الحديث إلا إذا طُلب منه ذلك فتشعر في سلوكه بنوع من انواع الزهد الصوفي والسمو فوق حب الظهور وشهوة الكلام. علي مدي علاقتنا الممتدة عبر الزمن كان لديه دائما رؤية ووجهة نظر في كل شئ من الفلسفة والسياسة والفن إلي الأغاني والفن التشكيلي وكرة القدم والسينما والمسرح. ولم يُضبط علي إمتداد حياته يستعرض معلوماته الغزيرة، لكن حين تتوجه إليه طالباً رأيه ومشورته في موضوع أو قضية ما، تجد عالم ومفكر موسوعي يعرف الكثير ويحاول تبسيط أعقد نظريات العلم والمعرفة والفلسفة وبأسلوب شيق. لا يفرض رأيه بل يفتح أمامك الطرق والبدائل ويدفعك للبحث الذاتي لتصل الي يقين أعلي، وكلما أحرزت تقدما كلما شعرت بفضل هذا القديس والمفكر الكبير. بداية المرحلة الجامعية كانت رحلة البحث عن الذات، وكان رجائي دائما، هو المرشد الروحي لكل شباب الأسرة والأصدقاء. عندما نسهر في “قلعة شبرا الخيمة” ( الشقة الأولي التي كان يسكنها في القاهرة) ونطرح بعض التساؤلات والإشكاليات التي تشغلنا، نجده يتحدث وتنساب أفكاره وكلماته لتمس العقل وتدفعه للمزيد من البحث. ومهما احتد البعض وأخذته الحماسة، كان العم رجائي يستمع ويتحدث بكل هدوء ليوضح رأيه الذي يُنهيه بحزمة تساؤلات تدفعنا للمزيد من البحث والتنقيب ونتعلم أن الصوت المرتفع لا يدل علي صحة رأي صاحبه بل ربما العكس. كان رجائي متذوق رفيع المستوي لمختلف أنواع الفنون ولاحترامه لقيم العلم التحق -رغم انشغالاته بالعمل الصحفي- فور تخرجه بمعهد التذوق الفني وأكمل الدراسة لمدة سنتين للحصول علي دبلومة المعهد. كان رجائي حريص علي أن نسمع معه سيد درويش وزكريا أحمد والسنباطي وعبدالوهاب وأم كلثوم وفيروز وفي نفس الوقت نستمع لموزارت وبيتهوفن والموسيقي الكلاسيكية العالمية ، كان يصحبنا ،شباب الأسرة والاصدقاء، إلي اسابيع الفيلم السوفيتي والفيلم الايطالي والفيلم المجري وبعد العودة يبدأ حوارا ممتعا حول تحليل الفيلم، وعرفنا منه العناصر التي تشكل في تضافرها ملامح تميز العمل الفني وكيف نقيمها. رجائي الميرغني مثقف موسوعي وسياسي مخضرم ونقابي نموذجي عمل بالصحافة وعشقها ولم يعاملها كمجال عمل وأكل عيش بل مهنة وهو صنايعي شاطر فيها ومحب لها ولكل أهل الصنعة الصحافية. كان وجود رجائي في حياتنا مصدرا للفخر والسعادة وهو الملاذ والملجأ في المشاكل والملمات. وكان منزله دائما زاد المسافر واستراحة العابرين وصالون الفكر والأدب والفن. لذلك فإن غيابه يشكل خسارة لاتعوض وفراغ لا يمكن أن يملأه أحدا بعده. ولا أملك الإ ان أقول له: “وحشتنا قوي يا رجائي”.

عبير سعدي Abeer Saady “أستاذي ومعلمي” من الصعب اختزال قيمة الأستاذ رجائي الميرغني في وظيفة شغلها كوكيل مجلس نقابة الصحفيين المصريين أو نائب رئيس وكالة الشرق الأوسط، فحياته وتأثيره تجاوز كل مكان عمل به. علمني وعلم محبيه أن الإنسان يبذل كل الجهد في كل موقع يستطيع التأثير من خلاله. لم أتخذ في حياتي علي مدي العشرين عاما الأخيرة قرارا إلا بعد مشورته. مثلي الأعلى في الحياة وليس فقط في العمل العام. هو ضمير يمشي علي قدمين.الجندي محمد رجائي الميرغني شارك في حرب أكتوبر ١٩٧٣. أصيب في معركة حاسمة ثم عاد وأكمل دوره. كانت تلك منهجيته في كل معاركه علي جبهات عديدة خاضها بهدوء وحسم. وعندما خاض مجال العمل العام دفع الثمن من حريته. أحد أكبر انتصاراته كان مجال العمل النقابي الذي أرسي دعائمه ليس فقط في مصر بل في عدة بلدان عربية وأجنبية، بجانب مسيرته الصحفية. لم يتأخر لحظة واحدة عن واجب دعي إليه. خاض معارك فقد فيها حقوق ولم يكن يخشي أحدًا. لعقود طويلة كان مدافعا قويا، عن استقلال الصحافة، وعن التشريعات التى تحفظ للمهنة قوتها، وحريتها، ولأبنائها حقوقهم. وعندما انهي دوره المهني وظيفيا ظل يدعم تلاميذه. بينما قرر هو تغيير وجهته نحو هوايته الفنية والأدبية. العديد من متابعي عمله النقابي والمهني فاجأهم متابعة رباعياته الرائعة، أو فصول كتابه حول حرب أكتوبر، أو لوحاته الفنية. ومع كل هذه الحياة الثرية بني أستاذي حياة أسرية دافئة مع رفيقة دربه الكاتبة الصحفية والنقابية الرائعة أستاذة خيرية شعلان ومع أبنته الإعلامية سوسنة وأبنه المهندس حاتم وأسرتيهما. في مكالمته الأخيرة كان يسدي لي نصائحه بينما يداعب حفيدته فرحة. لا يمكن أن أتذكرك يا أستاذي، فالتذكر يعني أن ننسي ثم نتذكر، وأنا لن أستطيع نسيانك. رحل الجسد الفاني وظلت الروح. أنت ضميري وضمير كل من عرفك من تلاميذك ومحبيك. اللهم أنزل سكينتك علي قلوب أسرتك ومحبيك.

سعيد شعيب Saied Shoaib “لماذا كان الأستاذ نقابيا عظيما؟” عرفت الأستاذ رجائي الميرغني منذ أكثر من 30 عاماً. فقد التقيته للمرة الأولى في بيت اسرته العامر، حيث كنت صديقا لأخيه الراحل المخرج المسرحي بهائي الميرغني. كنت معجباً بالأستاذ، فهو لا يردد كلام اغلب اهل اليسار “المرمي على الأرصفة”، كان يقول ٱراء مختلفة تحفز علي التفكير. إعجابي بالأستاذ جعلني أشارك في إحدى حملاته الإنتخابية لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، رغم أنني وقتها لم أكن قد عملت بالصحافة ولا حتى خطر على بالي أن أكون صحفياً. لكنني كنت محظوظاً عندما اقتربت من الأستاذ الكبير اكثر واكثر، حين قررت في مركز صحفيون متحدون (مركز حقوقي معني بحقوق الصحفيين والإعلاميين)، العمل على قانون جديد لنقابة الصحفيين، يتخلى أو يحاول تجنب كل سوءات القانون الحالي المتهالك. فالقانون القديم الذي يتمسك به أغلب أهل اليسار في النقابة، ما زال يشترط موافقة وزارة الإرشاد القومي والإتحاد الإشتراكي على أن تكون عضوا في نقابتك. ناهيك عن المآسي التي أضافها أغلب أهل اليسار ودعمهم الإخوان وأنصار مبارك، ومنها كارثة إشتراط عقد العمل لكي تكون عضوا، رغم أن الأصل في المهنة هي الممارسة، وبالتالي حرم اليساريون المدافعون عن حقوق “الغلابه”، شباب الصحفيين من أي حماية نقابية، وتركوهم للملاك وممثلوهم ينهشون لحمهم، وبتعبير ٱخر حولوا الصحفيين الى عبيد عند مالكي الصحف وعند من يمثلونهم. بالطبع أول من فكرت فيه كان الأستاذ الجليل، لأنه كان يسعى طوال الوقت لحماية الصحفيين وليس حماية ايديولوجية أو أهداف سياسية، فهذه نقابة وليست حزباً سياسياً. فلم يكن رحمه الله مشغولاً بتحويل النقابة الى منصة للمعارضة ، ولكن مشغول بأن تقوم النقابة بدورها الحقيقي وهو حماية كل أعضائها، سواءً من معارضي مبارك أو مؤيديه، سواء من اليسار أو اليمين، فهي ليست نقابة الرأي ولكن “نقابة كل الأراء”. لذلك سعى جاهداً رحمه الله لأن يصارع وحوش العمل النقابي، بإيجاد مظلة قانونية لحماية الصحفيين الذين لا يملكون عقود عمل.. لكن المزاج الإنتهازي للكهنة ولكثير من الصحفيين قتلت المشروع. هذا الإحترام وهذه المحبة للأستاذ الكبير زادت وتعمقت عندما بدأنا العمل على مشروع “قانون جديد لنقابة الصحفيين”. كان هو عنوان المشروع والدينامو المحرك له مع المحامي المعروف سيد فتحي والأستاذ صلاح عيسى (رحمهم الله جميعاً) والدكتور محمود علم الدين أستاذ الإعلام الشهير وكذلك القاضي الجليل حسام مكاوي. دارت نقاشات كثيرة حامية حول التعدد النقابي، أي لا تحتكر نقابة وحدها تمثيل الصحفيين، ويختار الصحفي النقابة التي يقتنع انها تدافع عن حقوقه بحرية كاملة. الوحيد الذي تحفظ بشدة كان الأستاذ الكبير صلاح عيسى، لكنه في النهاية قال مشكوراً انه سيوافق على رأي الأغلبية. والمفاجئ لي كان الأستاذ رجائي وصديقي الكبير سيد فتحي ، فرغم خلفيتهم اليسارية القوية، إلا انهما كانا داعمين كبار لفكرة حرية التعدد النقابي، أي إنهاء فكرة إحتكار العمل النقابي، وكان الأستاذ أكثرناً حماساً ومنطقية في الدفاع عن هذا الحق. حدث نقاش آخر حول احتكار نقابة الصحفيين ل”ترخيص العمل”، أي تكون هي الجهة الوحيدة التي يحق لها منح ترخيص العمل بالصحافة.إنها الفكرة الإستبدادية: النقابة الواحدة والحزب الواحد والشعب الواحد التي لم يتخلص منها اليسار ، بل نجح في ان يجعلها ثقافة راسخة وبديهية. كان الأستاذ رجائي اكثرنا حماساً لإنهاء هذا الاحتكار، وأن تمنح هذا الترخيص جهة مستقلة، ومن الأفضل ان تكون من مؤسسات الدولة، حتى نضمن حيادها. وكانت الفكرة هي ان هناك تضارب مصالح في احتكار النقابة الحالية ترخيص العمل، لأن من يمنحك الحق في العمل ك”صحفي” زملاء لك، جاؤوا الى مواقعهم النقابية بالإنتخابات وليس بسبب الكفاءة المهنية، ولذلك لا يجوز ان يكونوا هم من يحددون هذا صحفي وهذا غير صحفي. ثم ان من مصلحتهم ومصلحة اغلب أعضاء الجمعية العمومية للنقابة عدم دخول أعضاء جددأ لكي لا تزيد المنافسة في سوق العمل، ولكي لا يتقاسم الجدد معهم “تورتة الخدمات”، بالإضافة الى تجنب الانحيازات السياسية والمؤسسية وغيرها. الفكرة هنا ان الأستاذ انحاز للعدل، انحاز للضعفاء، انحاز للإنسانية، فهو كان يساري بالمعني الواسع وليس الأيديولوجي الضيق ، كان “انسانا” في حين باع كثيرون ضميرهم الإنساني مقابل ايديولوجيتهم. ولا يفوتني ان اذكر بالإمتنان كيف كان الأستاذ رجائي عنواناً للإلتزام والدقة المتناهية، والإخلاص العجيب، وهو الكبير كان حريصاً على أن يكتب بنفسه الملاحظات، بل والكثير من مواد مشروع القانون. ناهيك عن إدارته لأي نقاش بمحبة مهما كان الإختلاف شديداً وعميقاً.. لقد كان الراحل الكبير عنواناً بليغاً للنزاهة والإستقامة الأخلاقية، عنوان لكيفية ان ترفض بشجاعة كل ما يتناقض مع إنسانيتك مهما كان براقاً ولامعاً.

خيرية شعلان Khairia Shaalan المبدع المثابر كانت الصحافة والعمل النقابي والشأن العام الهم الأول لرجائي علي مدار سنوات حياته التي أمضاها مناضلا ومقاتلا من طراز فريد في ساحات الحرية وقضايا الوطن والمهنة من إبداعاته التي كانت بمثابة متنفسا له يلجأ إليه كلما تكالبت عليه الهموم أو المتاعب لكونه إنسانا يعف عن الشكوي ويسمو فوق ٱلامه فلا يبوح بها لأحد .. خلق فنا وإبداعا تبلور في رسومات بدأت بالرسم علي الورق والوان الجواش والماء والقلم الرصاص وحفظت ملفاته تلالا من هذه الإبداعات التي تنوعت في موضوعاتها وتغيرت ادواتها حتي كانت الفترة الأخيرة في حياته ثرية برسوم الجرافيك التي أبدعها علي جهاز الكمبيوتر عبر برامج بسيطة ومجهدة ولكنه كان صبورا ومجاهدا حتي في ابداعاته، لم ينشغل بالأداة بقدر إنشغاله بالابداع وكان يمضي اياما طويلة وساعات كثيرة في تدقيق أحدي لوحاته أو ضبط الوانها أو تأكيد دقتها. ولطالما قدم عددا من رسوماته كأغلفة لكتب الأصدقاء أو أبنائه في المهنة ولأنه تميز بشمولية الابداع من فن الرسم والكتابة النقدية والنحت والشعر والرواية وتحليل المضامين والقراءات الفلسفية فكانت له ذخيرة ابداعية نسعى لخروجها للنور ونشرها تقديرا وحفاظا علي تاريخه واطلاع الجميع علي ما لم ينشره في حياته تحت شعار التواضع والاكتفاء. ونأمل إصدار رباعيات “الزمن البخيل” التي أبدعها “رجائي”منذ 2013 في ذكرى ميلاده خاصة أنه كان قد رسم بنفسه غلافها وقسمها لعدة فصول هي: “مدمن تفاؤل “وتضمن 52 رباعية منها:: مُدمن تَفاؤل أنا فى الشِـدّه والأَزمات أَفتح كتاب الزمن واطالع الإشـارات يِظهر لعينى ضَىّ من حالك الظُلمات أَشهد بإن الجَاىّ أجمل من اللى فـات وفصل “في البدء” ويتضمن 30 رباعية، ، “إملا سنينك حياه ” 27 رباعية، “زمن بخيل” 29 رباعية منها: زمن بخيل قَفَـل البِيبَان علـى شَمس بُكرَه ومال بِضِلُه التِقيل على كل نَبتَـه وزهـره لَكِّنُه عايِش عَليل من بعد ما لَمَحِ الشُروق بيطُل م الكِلمه السَدِيدَه والخَطوَه المِعَافره إضافة لفصل بعنوان “قال الراوي” يضم 80 رباعية

14  يونيو  2022

Leave a Reply

Your email address will not be published.